بيعة العقبة الكبرى
في السنة الثالثة عشرة من البعثة النبوية، شهدت مكة حدثًا تاريخيًا مميزًا حين أرسل أهل المدينة المنورة (يثرب آنذاك) وفدًا يتكون من 73 شخصًا، بينهم رجال ونساء، لملاقاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. كان الهدف من هذه الزيارة المباركة هو الاتفاق على نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ونصرة الإسلام، وقد سُميت هذه الحادثة في كتب السيرة ببيعة العقبة الكبرى.
أن تضيء شمعة صغيرة خير لك من أن تنفق عمرك تلعن الظلام
خلفية تاريخية:
لم يكن أهل المدينة بحاجة إلى ملك أو قائد بعد سلسلة طويلة من الحروب الأهلية بين الأوس والخزرج. كانوا يخططون لتنصيب ملوك من بينهم لقيادتهم. وعندما بُعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، آمنوا به حق الإيمان، صدقوه وعزروه وقبلوا دعوة الإسلام لا لحاجتهم إلى ملك، بل لأنهم وجدوا في كلامه صدقًا ونورًا.
البيعة والمفاوضات:
عندما وصل وفد أهل المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم خلال موسم الحج، قام النبي بالتحدث إليهم وتلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الإسلام. وضح لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ما يقدمون عليه هو أمر عظيم، وأحاطهم علمًا بالمخاطر التي قد تواجههم قبل أن يبايعوا ليكونوا على دراية كاملة بطريق الإسلام.
كان البراء بن معرور أول من بادر بأخذ يد النبي صلى الله عليه وسلم وقال: “نعم، والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا”. تعهد البراء بحماس لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم دون قيد أو شرط، مشيرًا إلى أنهم أبناء الحروب وأهل الحِلْقة، وقد ورثوا الشجاعة والدفاع كابرًا عن كابر.
أبو الهيثم بن التيهان أراد التأكد من طبيعة التزاماتهم، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالاً، ونحن قاطعوها”، في إشارة إلى العلاقات التي تربط أهل المدينة باليهود. تساءل عما إذا كانوا سيظلون بمأمن إذا قطعوا تلك العلاقات. فطمأنه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: “بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم”. كان هذا الرد سببًا في استبشار القوم وبايعوه على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نتائج البيعة:
اختار النبي صلى الله عليه وسلم منهم اثني عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم. كان هؤلاء النقباء مثالًا للحرية والشجاعة، لا تأخذهم في الله لومة لائم. نصروا النبي صلى الله عليه وسلم ونصروا الدين، وكان مطلبهم الجنة التي عرضها السماوات والأرض.
الخلاصة
كانت بيعة العقبة الكبرى عهدًا تعاهد فيه أهل المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم على نصرته وحمايته من كل خطر وعلى كل عدو. لم تكن بيعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم نتيجة عاطفة عابرة أو لحظة نخوة، بل كانت تصميمًا وإصرارًا على مواجهة الناس إذا حاربوهم في دينهم وأذوهم. بهذا استحقوا أن يكونوا أنصار النبي صلى الله عليه وسلم وأنصار الدين. فنعم البيعة بيعتهم، ونعم التجارة تجارتهم.
إن قصة بيعة العقبة الكبرى تظل نموذجًا مشرقًا في تاريخنا الإسلامي، تعكس الإيمان الصادق والتضحية في سبيل الله. في نهاية هذا المقال، ندعوكم لإلقاء نظرة على المصادر والمراجع التي تناولت هذا الحدث العظيم، ونحثكم على نشر الخير بين الناس.